صلاح رشاد .. يكتب : الملك العضوض .. والأثمان الباهظة (14)
يزيد شوكة في ظهر عمر
لم يرد عمر بن عبد العزيز رحمه الله الخلافة، ولكنها أرادته فأعانه الله عز وجل عليها، فكان درة في جبين الدولة الأموية، بعدله وإنصافه وروعة سياسته، وكانت خلافته بمثابة نسمة رقيقة في يوم قائظ شديد الحرارة.
وكان عمر مقيدا بولي عهده يزيد بن عبد الملك الذي فرضه عليه سليمان .. وكانت الأسرة الأموية المالكة تتخوف من خطوة مفاجئة لعمر تخرج السلطة كلها من بني أمية، لذلك عملت الأسرة علي التخلص سريعا من هذا الخليفة العادل الزاهد الذي أراد ان يفسد علي الأمويين دنياهم وملكهم وسلطانهم، فلم تدم خلافته أكثر من عامين وبضعة شهور، ومات مسموما عن طريق خادمه علي أرجح الروايات وقبله بشهور مات ولده الزاهد العابد عبدالملك.
وتولي يزيد بن عبدالملك الخلافة بعد موت عمر رحمه الله (أمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية وكانت من أحب زوجات عبد الملك إليه، لذلك حرص عبد الملك علي أن يجعل نصيبا في ولاية العهد لأحد أبنائها).
أراد يزيد أن يسير علي نهج ابن عمه عمر فلم يستطع أكثر من 40 يوما وقال جملة مؤثرة : إن عمر ليس بأحوج إلي الله مني، وصدق والله فما احوجنا جميعا الي الله عز وجل.
وليته عمل بها أو ظل تأثره بها طويلا، لكنه سرعان ما استسلم لأهواء السلطة وشهوات شاب يملك كل شيء المال والجاه والسلطان.
ولم يسع يزيد للبطانة الصالحة التي تهديه إلي الخير مثلما فعل أخوه سليمان، وإنما كانت له بطانة سوء أغرته بمفاتن الدنيا ومباهجها فاستسلم لشهواتها وملذاتها.
كان الابن الأكبر ليزيد في ذلك الوقت، وهو الوليد، لم يزد عمره علي 11سنة فكان من المستحيل أن يجعله وليا للعهد، فدخل علي يزيد بالنصح والمشورة أخوه مسلمة بن عبدالملك الذي وصفه المؤرخون بأنه كان أشجع بني عبدالملك قلبا وأسخاهم يدا وأرجحهم رأيا وأيمنهم نقيبة.. وهنا يتبادر إلي الذهن سؤال .. كيف لشخص بهذه المواصفات الرائعة أن يخرج من سباق ولاية العهد طوال عهد إخوته صفر اليدين ؟!
الاجابة ببساطة، لأنه إبن جارية رومية وكان الأمويون واثقين أن زوال ملكهم علي يد خليفة ابن جارية .. وهذا ما حدث بالفعل بعد ذلك، لكنه لم يكن مبررا لحرمان رجل من سدة الحكم في كفاءة وقدرات مسلمة الحربية والإدارية لأن أقدار الله نافذة في جميع الظروف والاحوال.
وهذه القاعدة نسفتها تماما الدولة العباسية التي كانت الغالبية العظمي من خلفائها من أبناء الجواري .. وأول الخلفاء من أبناء الجواري هو أبو جعفر المنصور المؤسس الحقيقي للدولة العباسية وفحل بني العباس هيبة وشجاعة ورأيا وحزما ودهاء علي حد وصف المؤرخين وسنتوسع في الحديث عنه في حينه إن شاء الله.
نعود إلي مسلمة بن عبدالملك الذي أشار علي أخيه يزيد أن يجعل ولاية العهد في أخيهما هشام ثم يأتي بعده ابنه الوليد، فوافق يزيد الذي ظل في الخلافة خمس سنوات وعندما كبر ابنه وظهرت عليه أمارات الشباب كان يقول “الله بيني وبين من جعل هشاما بيني وبين ابني” يقصد أخاه مسلمة “.
ونحن نقول ليزيد: هل كان ابنك وهو في السادسة عشرة من عمره يصلح للخلافة؟ .. طبعا لا ولكنه حب الولد الذي يعمي الأبصار عن رؤية الحقيقة”.. وكم أدي حب الولد الي مصائب في الدولة الإسلامية علي مدار تاريخها الطويل.
مات يزيد بن عبدالملك وهو في السادسة والثلاثين من عمره وتولي أخوه هشام .
فماذا فعل هشام بعد أن تولي الخلافة عقب وفاة أخيه يزيد ؟
وما الدور الذي لعبه الوليد بن يزيد في زوال دولة بني أمية بأخطائه الكارثية ؟
نجيب في الحلقات المقبلة إن شاء الله